- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3474
هل يمكن لأردوغان استمالة بايدن؟
تربط الولايات المتحدة وتركيا علاقة استمرت سبعة عقود إلّا أنها تشهد توترات في الوقت الحالي. وتتمثل أبرز نقطتي الخلاف بينهما في شراء أنقرة لمنظومة الصواريخ الروسية "أس-400" وتعاون واشنطن مع «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا. وفي هذا الصدد، يتباحث خبراء حول المخاطر ومجالات التعاون المحتملة بين واشنطن وأنقرة في السنوات المقبلة.
"في 16 نيسان/أبريل، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع سونر چاغاپتاي وأسلي أيدينتاسباس وماكس هوفمان وجيني وايت. وچاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" في المعهد ومؤلف المذكرة الانتقالية لعام 2021 التي صدرت مؤخراً بعنوان "تحديد سياسة واقعية تجاه تركيا في عهد أردوغان: نصائح لإدارة بايدن". وأيدينتاسباس هي زميلة أقدم في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية". وهوفمان هو مدير الأمن القومي والسياسة الدولية في "مركز التقدم الأمريكي". ووايت هي أستاذة وكاتبة وأخصائية في علم الإنسان في "معهد الدراسات التركية" بـ "جامعة ستوكهولم". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
سونر چاغاپتاي
تربط الولايات المتحدة وتركيا علاقة استمرت سبعة عقود إلّا أنها تشهد توترات في الوقت الحالي. وتتمثل أبرز نقطتي الخلاف بينهما في شراء أنقرة لمنظومة الصواريخ الروسية "أس-400" وتعاون واشنطن مع «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا.
ويعكس شراء منظومة "أس-400" التوطيد التدريجي للعلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين التي يعود تاريخها إلى عروض موسكو السريعة بتقديم الدعم إلى تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب ضد أردوغان عام 2016. وفي المقابل، وافقت أنقرة على شراء المنظومة وقبلت لاحقاً تسلّمها - الأمر الذي تعتبره واشنطن انتهاكاً لالتزامات تركيا تجاه حلف "الناتو".
وفيما يتعلق بالتعاون الأمريكي مع «وحدات حماية الشعب»، يعترض أردوغان على الشراكة نظراً لارتباط هذه الوحدات بـ «حزب العمال الكردستاني»، وهو منظمة تركية صنفتها كل من أنقرة وواشنطن ودول أعضاء أخرى في حلف "الناتو" ككيان إرهابي. ولسوء الحظ، من غير المرجح حل أي من هذه التحديات الثنائية - هذا وتحتفظ روسيا بنفوذ اقتصادي وعسكري كبير على تركيا، ولم تُبد الولايات المتحدة أي اهتمام بإنهاء شراكتها مع «وحدات حماية الشعب».
ومع ذلك، لا يزال البلدان يشاركان في العديد من مجالات التعاون. فتركيا تملك قوة ناعمة في أفغانستان ويمكن أن تكون وسيطاً فعالاً هناك. كما تصدت للعدوان الروسي في أوكرانيا وليبيا، داعمةً بشكل أكبر للمصالح الأمريكية. وإذا انتهجت أنقرة موقفاً أكثر انتقاداً ضد الصين، لا سيما فيما يتعلق بطريقة معاملة بكين لمسلمي الأويغور، فقد تميل إدارة بايدن إلى التغاضي عن نقاط الخلاف بين الدولتين. ومع ذلك، فإن اعتماد تركيا على الصين للحصول على لقاحات [فيروس كورونا] واستثمارات محتملة في البنية التحتية يعقّد هذا الأمر.
وستؤثر الضغوط السياسية المحلية على العلاقة أيضاً. فالتأييد الشعبي لأردوغان هو في أدنى مستوياته منذ انتخابه رئيساً للوزراء في عام 2002، أي قبل سنوات من تحويله البلاد إلى نظام حكم تنفيذي. كذلك، تبخر النمو الاقتصادي الذي عزز سابقاً قاعدته الشعبية، ولم يلقَ تحميله نخب القرن العشرين مسؤولية المشاكل الوطنية الحالية صدى في أوساط الناخبين الأصغر سناً. علاوةً على ذلك، أدى الانتقال إلى نظام رئاسي في عام 2018 إلى تقوية المعارضة، مما زاد من صعوبة التسبب بحدوث شرخ بين أطياف المعارضة. وإذا واجه حزبه صعوبات خلال الانتخابات المقبلة كما حصل في الانتخابات الأخيرة، فقد يلجأ إلى اتخاذ إجراءات قمعية أكثر صرامةً، وربما يدّعي أن الانتخابات مزورة إذا ما خسرها. وفي إطار هذا السيناريو، قد تضطر إدارة بايدن في النهاية إلى الاختيار بين أردوغان والديمقراطية.
وخلال الفترة اللاحقة، على واشنطن وأنقرة عزل القضيتين المستعصيتين منظومة "أس-400" و«وحدات حماية الشعب»، وإعادة التركيز على زيادة التعاون المؤسسي في المجالات ذات الاهتمام المشترك. على إدارة بايدن أيضاً توطيد الروابط الاقتصادية العميقة لأمريكا مع أوروبا والمساعدة في الحفاظ على مساحة مخصصة للمجتمع المدني والمعارضة السياسية. ويتمثل التحدي بالحفاظ على ديمقراطية تركيا بينما يبقى أردوغان على الساحة السياسية.
أسلي أيدينتاسباس
تبنّت تركيا استقلالية استراتيجية تضمن ألا ينحصر مستقبلها في عهد أردوغان فقط بعلاقاتها مع الولايات المتحدة أو روسيا. ووفقاً لذلك، يجب على واشنطن اعتماد موقف أكثر واقعية، وتعزيز مجالات التعاون (على سبيل المثال، العراق وأوكرانيا) مع إدارة الاختلافات وإدراك حدود العلاقة بشكل أفضل.
ويمكن عكس التراجع الديمقراطي الذي شهدته تركيا. فهناك مطالب محلية بالعودة إلى الديمقراطية، وأردوغان هو رئيس واقعي بإمكانه أن يقرر مجاراة هذه المشاعر إذا كانت تتواءم مع مصالحه. ويسجل الاقتصاد أسوأ أداء له منذ استلامه السلطة قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، وهو أمر يثير استياء شرائح كبيرة من الناخبين الساخطين. وقد يدفعه هذا الوضع أيضاً إلى التقرب من الولايات المتحدة وأوروبا نظراً لروابطهما الاقتصادية العميقة. وفي النهاية، قد تتوقف مسألة ما إذا كان بايدن سيُرغم على الاختيار بين أردوغان والديمقراطية التركية على مدى عمق هذه المظالم في صفوف الناخبين.
ماكس هوفمان
أصبحت العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا في حالة ركود غير مريح يحددها نهج المعاملات. وقد يكون أردوغان مهتماً باستمالة بايدن، لكن من الواضح أن إعادة العلاقة مع تركيا إلى وضعها السابق ليست ضمن قائمة أولويات البيت الأبيض. وبدلاً من ذلك، ترسل واشنطن إشارات على أنها تفضل الروابط المؤسسية على العلاقات الشخصية التي تطورت خلال عهد إدارة ترامب. وسيكون المسؤولون الأمريكيون مسرورين إن لم تحصل أي مشكلة كبيرة بين البلدين قبل الانتخابات التركية المقبلة عام 2023.
من جهته، يتمتع أردوغان باستقلالية تمنحه إياها علاقة قائمة على التعاملات، ويدرك أنه من غير المرجح أن أن يحل البلدان جميع خلافاتهما في إطار اتفاق شامل. وفي الوقت نفسه، يُظهر توقعه بانتزاع تنازلات في حالات معينة إدراكه أن العلاقات الأمريكية-التركية لا تزال قائمة على الشراكة الاستراتيجية القديمة.
وقد أدّى عدم اهتمام إدارة ترامب النسبي بالشرق الأوسط إلى إتاحة المجال أمام أردوغان للتمتع بالاستقلالية الاستراتيجية، لكن إدارة بايدن اعتمدت مقاربة مختلفة تقوم على تأييد الديمقراطية ومعاداة خطاب الاستبداد، مما يعكس رؤية الرئيس الأمريكي للعالم. ويتراجع الدعم المحلي الذي يحظى به أردوغان بسبب التحديات التي تشكلها قضايا اللاجئين والاقتصاد، وشغله منصبه لفترة طويلة. باستطاعة الديمقراطية التركية الصمود إذا ما حاول سرقة انتخابات [كان قد] خسرها حتماً، لكن على الولايات المتحدة التفكير في كيفية الردّ إذا ما اتخذ خطوات جادة مناهضة للديمقراطية.
جيني وايت
عندما يتحدث أردوغان عن الشؤون الدولية، يصوّر تركيا إما كجهة فاعلة دولية نافذة أو كضحية لمعتدين خارجيين. ويصب قرار الرئيس بايدن بتأجيل الاتصال به منذ تنصيبه في مكان ما بين هذين القطبين، مما يدل على أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة وسط منع الرئيس التركي من تحقيق فوز سياسي. ويبعث غياب التواصل الرفيع المستوى برسالة أخرى أيضاً - مفادها أنه ليست هناك مكانة واضحة لأنقرة في السياسة الخارجية الجديدة لواشنطن، مما يولي الأولوية للفوائد المحلية من التحركات الدولية.
وطالما لا يزال أردوغان في السلطة، فعلى الولايات المتحدة التفكير في طريقة للتصدي لميوله المناهضة للديمقراطية دون الإضرار ببلاده ككل. فالعقوبات الشاملة، على سبيل المثال، تضر بالشعب التركي وتؤكد خطاب أردوغان، في وقت قد يكون لقضايا المحاكم المقدمة ضد المقربين منه تأثير أكبر مع أضرار جانبية أقل.
وفي الوقت الحالي، تشكل الديمقراطية الشاملة خطراً كبيراً على احتفاظ أردوغان بالسلطة، لذلك يبدو أنه يعتقد أن الطريقة الوحيدة للبقاء في منصبه هي من خلال قمع معارضيه بشكل أكبر. فالمجتمع المدني الداعم للديمقراطية في تركيا لا يزال كبيراً، لكن معظم منظمات المعارضة الرئيسية إما تعمل بطريقة سرية أو استمالتها الحكومة. وإذا حاولت واشنطن ودول "الاتحاد الأوروبي" مساعدة هذه الجماعات، فقد تساهم في تعزيز سرديات أردوغان عن كون بلاده ضحية، لأن "النفوذ الخارجي" يقلقه بشكل خاص. كما أن انتشار الجماعات المسلحة المنظمة جيداً والموالية لأردوغان يعقّد بصورة أكثر مسار إحياء الديمقراطية الشاملة.
أعد هذا الملخص هنري ميهم.